أخبار وتقارير

المجد لـ”النعمان” في ذكراه الأربعين

يمنات – صنعاء

ألقى المناظل علي صالح عبد "مقبل" الأمين العام السابق للاشتراكي اليمني في الـ(11 نوفمبر 1996م)، كلمة عن كلمة الأحزاب السياسية في ذكرى وفاة رائد التنوير والحركة الوطنية الأستاذ أحمد محمد نعمان.

"يمنات" يعيد نشر كلمة "مقبل"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أيتها الأخوات العزيزات

أيها الأخوة الأعزاء

رحم الله النعمان وأسكنه جوار الأنبياء والصالحين، وجزاه عن هذه الأمة خيراً.. لقد أعطاها حباً وسيتواصل عطاؤه ميتاً بذكرى سيرته العطرة وقوة المثل الذي ضربه في الصبر والاحتمال والتضحية والتمسك بقيم الحرية والعدل والمساواة والتقدم.

مات النعمان..

وخلف هذه الجملة الفعلية يقف مصاب جلل يهز كيان هذه الأمة ويعصر قلبها حزناً وحسرة.

وها نحن نقيم هذا المهرجان المهيب لنسكب الكلمات الملتاعة على فقيد اليمن وأستاذها ورائد التنوير في تاريخها المعاصر الأستاذ أحمد محمد النعمان الذي غادر عالمنا الفاني منذ أربعين يوماً.

وها نحن نتبارى بمواكبنا وبما في حوزتنا من مظاهر البهرجة لحضور حفل تأبينه ونتسابق على كلمات الرثاء ونخلع عليه شتى الأوصاف والسجايا الحميدة ولا ريب أننا محقون وأن النعمان العظيم يستحق ما هو أكثر من هذا الكلام الجميل الذي يند عنا رغم اختلاف مواقعنا ومشاربنا الفكرية والسياسية.

 

أيها الأعزاء:

اغفروا لي جرأتي وأنا أوجه إليكم هذا السؤال:

لماذا لم نحتف هكذا بـ"النعمان" عندما كان حياً بيننا؟

لماذا تركناه كل هذه السنوات يتلظى بعذاب الاغتراب والإحباط والجحود؟

إننا نتأخر كعادتنا ولا نعترف بفضل الفاضلين إلا بعد أن يكونوا قد رحلوا.. حقاً لقد صدق الشاعر حين قال: "الناس لا ينصفون الحي بينهمُ .. حتى إذا ما توارى عنهمُ ندموا".

ولكن لا بأس.. فـ"النعمان" لم يكن ينتظر ثواباً أو مكافأة على ما قدمه لهذا البلد ولم يكن يتلهف على اعتراف ما من إنسان ما ليشهد له بأنه كان مناضلاً بارزاً ووطنياً مخلصاً.. لأن النعمان من حملة الرسالات النبيلة الذين لا يعبأون بأشخاصهم وإنما يوجهون جل اهتمامهم نحو الرسالات التي حملوها وبشروا بها وتفانوا في تأديتها ثم لا يحسبون الماضي بما فازوا به من ثروات ومصالح وجاه ومكانة ولكن بما تحقق لرسالاتهم..

هل وصلت إلى الناس؟ وهل تحققت أهدافها؟ ولا يكترثون بأي شيء آخر.

وها أنا أسألكم فرداً فرداً:

هل بلغتكم رسالة النعمان؟ وهل وطنتم أنفسكم على تمثلها والتفاني في خدمتها؟ لم نفعل هذا من قبل.. هل سنفعله بعد؟!

كان النعمان أستاذ الجيل ورائد التنوير الأول.. وها نحن في عام رحيله أمام خراب فظيع يداهم العملية التعليمية برمتها.

مدارس كعلب السردين.. وجامعات كالدكاكين في الأغلب تمنح شهادة النجاح لجهلة وأنصاف أميين ومناهج تعليمية عفا عليها الزمن وانقطعت بها سبل العصر وقضاياه وتحدياته الكبرى.

كان النعمان داعية للنظام والاستقرار والمدنية وها نحن نعيش في قلب العاصفة الهوجاء للفوضى والاحتراب اليومي وشيوع الخوف ونهب الحقوق والممتلكات.

كان النعمان رجل بناء وتحديث، وها نحن نشهد التردي المريع في كل شيء، الأوبئة تتفشى والخدمات الصحية تنحدر نحو الصفر.

تصوروا أن عاصمتنا التاريخية تطفو على مستنقع حقيقي بدون قنوات للصرف الصحي، السجون غير الشرعية أكثر من الشرعية، وأجرة العسكري بالأمس غدت أجرة للطقم، والرشوة التي كانت بالمئات هي اليوم نهب بالملايين والمواطن الذي كان رعوياً لا يزال اليوم رعوياً ومادة للجباية ودافعاً للرشوات والضرائب والإتاوات..

تقاليد الدولة تتراجع ويعدُّ مجتمعنا الخطى نحو العودة إلى مجتمع الغاب، القوي يبطش بالضعيف، الكبير يلتهم الصغير وتحل القساوة في قلوب الناس بدلاً من الرحمة ويتصاعد الغلاء والبطالة وانعدام الاستقرار الأمني والمعيشي.

اسمحوا لي أن أذكركم بحادثة سحب الحكومة للجنسية اليمنية عن النعمان في العام الخامس من الثورة، لقد كان ذلك بسبب أن الأستاذ طالب بالمصالحة الوطنية لإيقاف الاحتراب الداخلي فوصم بالخيانة وعندما طالب بتحقيق المواطنة المتساوية اتُّهم بالطائفية.

اليوم أيضاً يتهم الدعاة إلى المصالحة الوطنية وإلى تحقيق المواطنة المتساوية لجميع اليمنيين بالخيانة والطائفية والانفصالية.

لقد جاء الوقت الذي تحققت فيه المصالحة وانتهى الاحتراب اليمني – اليمني فاسترد النعمان اعتباره وجنسيته، فهل نعتبر بهذه الحادثة ونسرع بتحقيق المصالحة الوطنية قبل فوات الأوان؟

هل نستطيع أن نستعير من الأستاذ النعمان نظرته النافذة وروحه المتسامحة وسموه الأخلاقي ونسرع إلى إجراء المصالحة الوطنية لتصفية آثار الحرب وإغلاق ملفات الماضي وتعزيز صرح الوحدة الوطنية؟

عزاؤنا الحقيقي في النعمان يأتي من ترك النفاق ومن تحويل معاني تبجيله وتمجيده إلى أعمال ملموسة تجسد مضمون رسالته في الارتقاء بالإنسان في بلادنا إلى مستوى الإنسانية والتعامل الإنساني في تحقيق الحرية وصيانة الحقوق.. في التخلي عن سياسة العنف وتكريس تقاليد الحوار والتعايش والتسامح واحترام الآخر وجوداً ورأياً وقضية.

 

أيتها الأخوات.. أيها الأخوة:

لقد ترك لنا الأستاذ أحمد النعمان ثروة عظيمة من الأفكار ونماذج من السلوك الإنساني الرفيع..

ترك لنا النعمان إشراقات ولمحات من الحكمة.. ترك رعيلاً من التلاميذ النجباء وحفنة من الأبناء والبنات الأبرار وترك لنا القضية نفسها التي فتح عينيه وأغمضها عليها.

وكل هذا الإرث يستحق الاهتمام ويستحق الرعاية ويستحق أن نتوج به عقولنا ونضيء به بصيرتنا وهذا هو دليل الوفاء لفقيدنا الغالي الأستاذ النعمان، لأبينا الحنون الذي رحل، وأعظم مفكرينا ورجالات تاريخنا المعاصر.

المجد لـ"النعمان" في ذكراه الأربعين.

ندعو له بالرحمة ولنا بالصبر والسلوان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى